كما ذكر في التمهيد، فقد بداء الاهتمام الفعلي بتمثيل الاحرف العربية وتطورها منذ العصور الأولى للإسلام، على الرغم من وجود مخطوطات كتبت بالعربية باستخدام حروف نبطية أو مسندية وكذلك عربية، لكنها قليلة وذلك لقلة الكتبة في عصر الجاهلية وكذلك في السنوات الاولى للإسلام ففي عهد الرسول ﷺ كان عدد الكتبة في مكة آنذاك حوالي السبعة عشر وفي المدينة احد عشر.
وكان اول ما اهتم بتدوينه في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم هو القرآن الكريم، فتم تدوينه اما على جريد النخل او الخاف، لكن لم يتم جمعه في كتاب واحد الا في عهد ابي بكر بمشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، بعد واقعة اليمامة حين استشهد عدد كبير من حفظة كتاب الله، على الرغم من تردد ابي بكر وقتها الا ان الله شرح صدره فامر زيد بن ثابت بتولي جمع القرآن في مصحف واحد، وظل ذلك المصحف مع ابي بكر ثم عمر بن الخطاب ثم حفصة بنت رسول الله ﷺ إلى ان امر عثمان رضي الله عنه بعمل عدة نسخ منه وفرقها في الامصار.
ومن هناك نشأت البداية الحقيقية للتدوين والاهتمام بالكتابة، الا ان الاحرف العربية كانت غير مشكلة ومعجمة. فكانت اول محاولة لإزالة الابهام في كيفية نطق الحرف على يد ابي الأسود الدؤلي الذي اخذ العربية من علي بن ابي طالب رضي الله عنه، فأسس علم النحو ثم ابتكر تنقيط الاحرف لتبيان حركتها، فكانت النقطة فوق الحرف فتحة وتحته كسرة وقبله ضمة، والتنوين بنقطتين. لذا فأول ظهور للتنقيط كان لمعرفة حركة الحرف، ثم اتى بعد ذلك التنقيط لإعجام الحرف (اي إزالة ابهامه) للتفرقة بين العين والغين على سبيل المثال، ووضع تنقيط الاعجام من قبل نصر بن عاصم (تلميذ ابو أسود الدؤلي) ويحيى بن يعمر في بدايات الخلافة الاموية، وكانت نقاط الإعجام بنفس مداد الحرف والحركة بلون مختلف للتفرقة بين نقاط الإعراب والاعجام.
ثم اتي الخليل بن أحمد الفراهيدي، صاحب كتاب العين، الذي حل مشكلة الصعوبة في التفرقة بين نقاط الحركة والاعجام بابتكاره لحركات التشكيل التي نعرفها اليوم. ومن هنا نستطيع القول بانه في خلال المائتي سنة الاولى بعد الهجرة تطورت الأحرف العربية على ثلاث مراحل اساسية:
- تنقيط الحركات (وكانت باللون الاحمر)، ويطلق عليها نقاط الإعراب.
- تنقيط الاعجام (وكانت بنفس مداد الحرف) وتلوين نقاط الإعراب.
- تشكيل الحركات، بحيث اخذت الحركات الاشكال التي نعرفها اليوم.
وبالنسبة لترتيبها فهناك ثلاث طرق لترتيب الاحرف:
- هجائياً: أ،ب ،ت، ث، إلخ.
- أبجدياً وانقسمت لطريقتين في الترتيب:
- المشرق العربي: أ، ب، ج، د، هـ، و، ز، ح، ط، ي، ك، ل، م، ن، س، ع، ف، ص، ق، ر، ش، ت، ث، خ، ذ، ض، ظ، غ.
- المغرب العربي: أ، ب، ج، د، هـ، و، ز، ح، ط، ي، ك، ل، م، ن، ص، ع، ف، ض، ق، ر، ش، ت، ث، خ، ذ، ظ، غ، س.
- صوتياً: عدة طرق مختلفة بدأها الخليل بن احمد الفراهيدي، ثم تفرعت واختلفت.
في هذه المدونة سنعتمد على نوعين من الترتيب وهما الهجائي والابجدية المشرقية، وسبب إختيار المشرقية لانها تحمل قيمة عددية في ترتيب الاحرف وسيتم الحديث عنها لاحقاً في المقالة الآتية.
والسلام عليكم.
مقال رائع ومقدمة جميلة لعلم التدوين
بالتوفيق يا ابو محمد